سبق
أن تحدّثت عن المعرّي الذي لا أرى وزنه في الأدب العربي يرقى إلى مستوى
شهرته، وتلقيت الكثير من التعاليق الشاتمة ممن يجعلونه شاعر الفلاسفة
وفيلسوف الشعراء، وقد عبّرت عن رأيي في رسالة الغفران التافهة. والان
سأتحدث عن قيمة اللزوميات. أوّلاً؛ بالنسبة لمن يجعلونه شاعرَ الفلاسفة،
أقول؛ إذا كان ثمة من يرى جودة هذه اللزوميات مستمدّة من البديع، فليعلم
بأنّ المعرّي كان في هذه اللزوميات قصير النفس إلى حد الرداءة، حيث أنه لا
يكاد يتجاوز 30 بيتاً بقافية واحدة إلا بشق النفس. وكثيراً ما نجد مقاطع
تتكوّن من ثلاثة أبيات!. فهل هذه قدرة بلاغية بديعية يُعتدّ بها؟. ثم هل
يعرف المنبهرون باللزوميات ماذا كتب الأدباء الكبار في البديعيات؟. يُخيّل
إليّ أن الكثيرين من هؤلاء لا فكرة لديهم عن البديعيات، وإلا فأين لزوميات
المعرّي من بديعيات الحلّي مثلاً؟!.
أو دعك من الحلي، وخذ مثلاً ابن جابر الأندلسي، وهو ضرير مثل المعرّي، ولكن أين لزوميات المعرّي من بديعيات الأندلسي؟.
إذا
لم يستطع المعرّي أن يتجاوز 40 بيتاً في لون واحد من ألوان البديع (لزوم
ما لا يلزم) فكيف يأتي بقصيدة مثل قصيدة ابن جابر الأندلسي التي تتألف من
177 بيتاً، وكل بيت ملزم بلون واحد من ألوان البديع!؟. وقد قسّمها إلى
قسمين، واحد للمحسنات اللفظية، والثاني للمحسنات المعنوية، وقد وظّف في تلك
القصيدة 60 نوعاً من أنواع الجناس فقط!. للمزيد حول الموضوع، انظر كتاب
"البديعيات" لعلي أبي زيد. أما لو قارنا لزوميات المعرّي مع ما جاء به
شعبان الأثاري في البديعيات، فالسلام على المعرّي!.
تخيّل قصيدة تتألف
من 400 بيت بقافية واحدة، وكل بيت ملزم باحتواء نوع واحد من أنواع البديع!.
لعمري إنّ هذا لا يأتي به سوى شعبان الأثاري أو عفريت من الجن. ولا أتصوّر
أن من يقرأ تلك البديعيات يرى أية قيمة بلاغية في لزوميات المعرّي، أما
مضامين هذه اللزوميات، فهي متواضعة. أنا لا أبخّس مهارة المعري، ولكني لا
أعطيه أكثر مما يستحق، وسوف أتحدث عن باقي كتبه لاحقاً.
ثانياً؛
بالنسبة لمن يعتبرونه فيلسوفَ الشعراء، فإذا كانوا يعرفون له كتاباً في
مجال الفلسفة فأتمنى أن يقترحوه عليّ كي أعرف كيف للمعرّي أن يكون
فيلسوفاً. أما كتبه الأدبية، فإني أراه فيها أقل حكمةً وتفلسفاً من ابن عبد
ربه صاحب العقد الفريد، مع أنّ ابن عبد ربه لا يصفه أحد بالفيلسوف، فهو
أديب وراوٍ بارع للأدب، وسوف أتحدث عن كتابه العقد الفريد في هذه الصفحة.
والخلاصة
أنني أرى أن ديوان اللزوميات للمعرّي مفيد للمهتمين بالأدب، ولكن ليس
بالقدر الذي يتخيّله ضحايا الشائعات والفقاعات، فنحن نعرف بأنّ المترجمين
العرب غشاشون وظالمون، ويكفيك أن تعرف قصتهم المخزية مع الأديب الكبير أبي
حيان التوحيدي، حيث أقصوه من تراجمهم ولم يدكره منهم إلا القلة القليلة، مع
أنه في فنّ النثر لا يمكن أن يرقى إليه المعرّي بأيّ حال.
سعيد بودبوز
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق