طُرح
هذا السؤال عليّ بكثرة من طرف المعلقين، أو لعله مجرد شخص واحد شيعي معاقّ
ذهنياً يكرّر طرحه بمختلف الأسماء المستعارة وبهستيرية أو على إيقاع نوبات
الصرع والسعار المتتالية والملازمة لضحايا الأديان، وهؤلاء المعاقّون
معروفون بأنّهم لا يقبلون من أي كاتب أو ناطق إلا أن يُقدّس كل آثارهم
وثيرانهم وروثهم تقديساً تامّاً غير منقوص. لم يستطيعوا ابتلاع قولي بأنّ
نهج البلاغة جميل وكئيب في نفس الوقت، وقد تجاهلوا كل ما قلتُ في جماله من
الإيجابيات، وشتموني شتماً فاحشاً لمجرد أن قلتُ بأنه كئيب!. والحقيقة أنّ
ما أقوله في نهج البلاغة هو ما أنا مقتنع به، فلا يهمني الشيعي المريض
الزومبي الميؤوس من شفائه. أقول ما أرى، وإذا لم تقبل يا عزيزي الزومبي،
فلك أن تنطح جدران الفيسبوك إلى ما شاء ربّك.
سأوضح هذا الإشكال للقارئ
المفترض الذي يملك عقلاً. إن نهج البلاغة يشبه امرأة جميلة ساحرة الوجه
ذات بشرة ناعمة لامعة، فاتنة إلى حد السيف، بل إلى حدّ الفتنة الكبرى،
لكنها دائمة التذمّر، والتحسّر، والشكاوي والتباكي، لا حديث لها إلا عن
فشلها الذريع في الحياة، وعندما تجلس معها لا يكاد حُسنها يزيل حُزنك، بل
يزيده!. فهذا هو شأن نهج البلاغة عندما نقارن جماله البلاغي بمضامينه التي
يمتدّ بؤسها من أول الكتاب إلى آخره، فلا حديث لصاحب النص إلا عن إخفاقاته
العسكرية، وعثراته السياسية، وعن فتوحاته في النحس والشؤم وسوء الحظـ
وانفضاض الناس من حوله، واحتشادهم لنصرة عدوّه عليه. المضامين عبارة عن
ويلات لا أوّل لها ولا آخر، من هنا تأتي الكآبة. وهنا يُستحسن أن تفتح
باباً من أبواب كليلة ودمنة كي تتنفّس هواء المرح المنعش حتى لا تختنق.
عندما تغرق في جواحيم النهروان وصفّين والجمل، وتقرأ في هذا الكتاب كيف أنّ
تاريخ الإسلام سقته وروته أنهار من الدماء، فلعلّ أفضل شيء تفعله بين خطبة
وأخرى، هو أن تفتح باب القرد والغيلم مثلاً لتلتقط أنفاس الهزل والمرح كي
لا تُصاب بالاكتئاب.
عندما أتحدث عن جمال المظهر والجوهر في هذا
الكلاب، فأنا لا أعني المضمون بتاتاً. بل أعني فنون البديع التي تمتع
الأبصار، وفنون البيان التي تقنع البصيرة. فلا أعتقد أن هناك فنا بلاغيا لم
يتوشّح به نعج البلاغة. ففي ما يترصّع به من فنون البديع، حدّث عن السجع
والجناس والطباق والتورية والاقتباس والمقابلة وغيرها من المحسّنات ولا
حرج. وفي البيان حدّث عمّا يخالجه من المجاز والكناية والاستعارات ومختلف
التشابيه ولا حرج. فالبيان هو المقصود عندي بالجوهر وليس مضامين الخُطب
المثيرة للكآبة!.
سعيد بودبوز
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق