الثلاثاء، 15 مارس 2011

شهادة في حق الكاتب سعيد بودبوز


 بقلم: علي أفقير

هكذا تكلم "بودبوز" عن نفسه في فترة ما بين 1998و2007وهو يقتني الكتب، بمختلف ألوانها وأطيافها وأحجامها، متسللا خلسة من مدينة "امريرت"، القابعة وسط جبال الأطلس، نحو فضائها المجاور الساكن الهادئ، ليلتهم زاده بشراهة. كنت أتساءل، أكثر من مرة، عن بودبوز...عن الظاهرة.. وكنت أتحدث نيابة عنه...عن نصوصه وإبداعاته بين الأصدقاء وأفراد العائلة، في مناسبات عديدة، إلا أن علامات عدم الاقتناع كانت تبدو على محياهم، أو التعبير عنها بواسطة الابتسامة التي تنم عن السخرية مما أتفوه به وأؤكد صحته. لكن الكم الهائل من المقروء ، في مدينة تكاد تختفي من خريطة البلد بسبب التهميش الذي أسدل بظلاله عليها ، بدد الوهم وأكد حقيقة بودبوز، خاصة وأنه ينتمي إلى العائلة، وأعرفه معرفة عن قرب. أعني أن هذا المقروء أعطى ثماره المرجوة عندما سمح بولادة كاتب يكتب بطريقة جيدة ويوظف لغة تبعد عن القارئ الضجر والملل، وتفسح له فضاءً أرحبَ وأمتع، في استساغتها، لكونها لا تخلو من السخرية والفكاهة. إن السحر الذي يشدك إلى نصوصه، والافتنان الذي يسجنك بين ثنايا إبداعاته، لم يأتيا من فراغ، وإنما جاءا بعد مخاض عسير في مغازلة ومضاجعة أعمال الآخرين، زمن الاعتكاف في هذه المدينة، حيث نجد "زينب سعيد" صاحبة "عرس أحمر لليقظة" و"إسماعيل غزالي" صاحب "رقصات الخلاء" و "رطانات ديك خلاسي " ؛ وهما من أصدقاء سعيد بودبوز، وربما كانا لهما تأثير عميق في إقباله على القراءة. كنت شخصيا أزوره، من حين لآخر، في هذه المدينة التي تبعد عن مدينة "فاس" بـ 130 كلم، فكان لي شرف كبير وشعرت بإحساس قوي وهو يقدم لي نسخة من عمله الروائي الأول "عبر شاشة الحتف" لأقرأه و أدلي برأيي فيه. لكن أثناء عودتي وفي طريقي انتابني شعور ينم عن الخوف؛ كلما ألقيت، من حين لآخر، نظرة على هذه الرواية من الحجم الذي يتطلب النفس الطويل. قلت في نفسي : " شرف ولكنه مسؤوليةً"، ثم أضفت : "ماذا لو كانت قراءتي خاطئة وقلت أشياء لم تكن أبدا في ذهن الكاتب لحظة الكتابة؟"ً. الكتابة مغامرة، لكن القراءة مغامرة ملغومة تفرض علينا أن نبحث عن مسالك توصلنا إلى بر الأمان حتى لا نكون مجحفين. بعدما تناولت هذا العمل، أدركت أن صاحبه يملك من الموهبة ما يجعل منه كاتبا. فكانت هذه الرواية بمثابة الشرارة الأولى التي مهدت الطريق نحو الانطلاقة الفعلية لولوج عالم الكتابة. لم تكن تنبؤاتي مخيبة، بل أصابت الهدف، ونحن نشاهد، عبر مواقع إلكترونية افتراضية وأخرى ورقية، وابلا من الإسهامات في الأدب والفكر والنقد والتاريخ شهادة على قدومه. أصبحت أيضا من المعجبين بقراء ة دراساته النقدية، خاصة مقاربته السيكولوجية لـ "صحراء في الطابق الأخير بين السرد النمطي والباطني" للمبدع المغربي "أنيس الرافعي". كما أعجبت بأركيولوجته في الحفر الجيولوجي، على طريقة فوكوية، في استكشاف حقب تاريخية عن حقيقة " الأمازيغ" وعن إمكان تواجدهم في القدم. كما أنه يملك من رهافة الحس ما يخول له دخول دنيا الشعراء من بابه الواسع...
مزيدا من التألق.
***
عـلي أفقيـر/ فاس-المغرب


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق