السبت، 14 أكتوبر 2023

ما قيمة كتاب "مجالس ثعلب"؟



رغم أنّه أقلّ شهرةً من باقي أمهات الكتب الأدبية وعلى راسها "الكامل في اللغة والأدب"، فإنّ كتاب "مجالس ثعلب" برأيي لا يقل عنها أهمية. صحيح أنّ ابا العباس المبرّد من شيوخ مدرسة البصرة المتفوقة على مدرسة الكوفة في النحو، ولكن يبدو أنّ منافسه حول شياخة مدرسة بغداد أبا العباس ثعلب أفضل منه في رواية الأدب، وأدقّ منه في الدرس اللغوي. لكن من سلبيات مجالس ثعلب كثرة العنعنة، والإيجاز الشديد. أبو العباس ثعلب يملك ذوقاً أدبياً أرقى من المبرّد، ويظهر ذلك بوضوح في حسن انتقائه لمادته الأدبية سواء كانت نظماً أو نثراً. ولكنّه يتعامل مع المتلقّي كما لو كان خبيراً في التراث العربي!. ولهذا فإن كتابه بحاجة إلى شرح. وأيضا لا يوجد تبويب في هذا الكتاب، فهو عبارة عن متاهة واحدة لا يفصل بين مفاوزها سوى أجزاء الكتاب. لكن في المقابل، حتى وإن كان "الكامل" و"الأمالي" وغيرهما مبوّبة، فإن الشرود يظهر واضحاً على أصحابها، بحيث لا يلتزمون في المتون بما يقرّرونه في العناوين إلا نادراً، خاصة منافس ثعلب الذي يقطع أشواطا طويلة في كتابه الكامل قبل ان يتذكّر ما قرّره في باب من الأبواب، ومع ذلك قد يواصل شروده بدل ان يعجل بعرض ما قرره. ولهذا أعود وأقول إنّ لسان العرب قد يكون أفضل واكمل من هذه الكتب، وإن كنت أدرك بأن الكثير من المهتمين بالأدب العربي، بمن فيهم بعض أساتذة اللغة و الأداب، لا يدركون القيمة الحقيقية للسان العرب، فان الكثيرين منهم يعتبرونه مجرد معجم مثل العشرات من المعاجم، وهذا خطأ! وسوف أكتب في هذه الصفحة ما أرى وما أعتقد في لسان العرب.

نعود إلى ثعلب، هذا الكوفي الذي يكاد يبدو لي في مجلسه متفوّقاً على منافسه المبرّد البصري حتى في النحو!. مع ما أعرفه مسبقاً عن مدرسة الكوفة من إعمال السماع وإهمال القياس. يبدو ثعلب شديد الاطلاع على التراث العربي، ومع ذلك ربما تكون عنده مشكلة في التعامل مع بعض النصوص أو المفاهيم الدينية الإسلامية، (أقول ربما)، فعلى سبيل المثال; يرى أنّ "العقال" هو صدقة سنة!. أيّ أنّ العقال الذي أعلن أبو بكر الصديق انه سيحارب المرتدين لو منعوه عنه، إنما يعني الصدقات أو الزكاة التي تحصّلها الدولة الإسلامية في ظرف سنة!.

وأيضاً يفسّر ثعلب ما ورد في سورة البينة "اذلك الدين القيمة" بأنّ الدين هنا يعني الأمة، وحتى في مواضع أخرى من القرآن يرى أنّ الأمة تعني الدين!. وألاحظ إشكالاً آخر في تفسيره لما ورد في سورة يوسف; "وكانوا فيه من الزاهدين". فإنّ أبا العباس ثعلب يقول: "أي اشتروا على زهد منهم"!. يعني أنّ الذين اشتروا يوسف اشتروه مع أنهم لا يحتاجون إليه. وهذا غريب، لأنّ ما نعرفه من التفسير لهذه الآية هو أنّها تحيل على على "السيارة" اي العابرين الذين اخرجوه من الجب. وقد كانوا فيه من الزاهدين اذ باعوه بدراهم معدودات، وليس كما يقول أبو العباس ثعلب!. على أي حال، أنا لا أملك علماً ولا أعصاباً تمكّنني من تجريح أو تعديل أبي العباس ثعلب في هذه الأمور، فهو شديد الإيجاز والاقتضاب وكأنّه نبيّ قد أوتي من جوامع الكلم ما يجعل بيته من عاج وليس من زجاج!. ولكني أنظر إلى القيمة الأدبية واللغوية لهذا الكتاب، وعلى هذا الأساس أستنتج أنّ هذا الكتاب مفيد، وأعلى درجة من الأمالي، وأعلى درجة من الكامل في اللغة والأدب معاً، وأقلّ درجة من البيان والتبيين للجاحظ، دون زيادة ولا نقصان، والله أعلم.

سعيد بودبوز