السبت، 14 أكتوبر 2023
ما قيمة كتاب الأغاني في الأدب العربي؟
ينتمي هذا الكتاب إلى كتب التراجم، وينطلق من رواية تقول بأنّ هارون الرشيد طلب من المغنين أن يختاروا له 100 أغنية، على أن يختاروا منها بعد ذلك عشراً، ثم ثلاثاً. ويقوم هذا الكتاب على جمع التراجم التي تخص كل من لهم علاقة بهذه الأغاني المئة، ويضمّ 541 ترجمة، منها حوالي 30 ترجمة للنساء. والحقيقة أنّ هذا الكتاب له قيمة كبيرة في التراث العربي، ولكنّ قيمته في الأدب خصوصاً ضعيفة وليست بالقدر الذي نستشفه عندما نتصفح الجزء الأوّل. ولو عقدنا مفاضلة بين هذا الكتاب وأمهات الكتب الأدبية المشهورة، فسنجد أنه لا يتجاوز مستوى "بهجة المجالس وأنس المجالس" لابن عبد البر، والذي أراه شخصياً أقلّ قيمة من "مجالس ثعلب" رغم أنّ أكثر منه شهرةً، وبالتأكيد لا يرقى كتاب الأغاني إلى مستوى "العقد الفريد" بأيّ حال. فرغم أنّ الأصفهاني أديب وليس مجرد راوٍ للأدب مثل أبي العباس المبرّد صاحب "الكامل في اللغة والأدب"، فإنّ أداءه اللغوي في كتاب الأغاني لا يتجاوز مستوى التراجم العربية. فلا بَداعة ولا بيان ولا تبيين، ولا إبداع ولا إمتاع في المعاني ولا في المباني، ولكنه غزير في أخبار العرب له قيمة كبيرة في التاريخ الفني للعرب سواء قبل أو بعد ظهور الإسلام. وبفضل هذا الكتاب نلاحظ بسهولة غياب الشعور الوطني لدى الانسان العربي المسلم، فالأغنية الوطنية منعدمة!. وطبعاً نلاحظ شحاً كبيراً في الترجمة للنساء، مع أنّ للجواري دوراً بارزاً في أداء تلك الأغاني، ما يعني أنّ المرأة شبه غائبة عن الوعي العربي الإسلامي. النص التاريخي عادةً لا يدرك المجتمعات ولا الثقافات، وإنما يركز على القادة السياسيين والعسكريين، وهذا يعني أنّ لكتاب الأغاني دوراً كبيراً في التاريخ العربي الإسلامي، لأنّه ينقل إلينا من دقائق المجتمع وعاداته ونظرته إلى الفنّ ما يعجز النص التاريخي عن نقله. مثلاً؛ النص التاريخي ينقل إلينا فتوحات الخلفاء وترتيبهم وتعاقبهم على السلطة، ولكنه لا يخبرنا كيف كان بعضهم يغني وكيف كانوا يتفاعلون مع المغنين، وهذا ما نجده في كتاب الأغاني مفصلاً. وكمثال آخر؛ انظر المجلّد 16 حيث يتحدث عن سكينة بنت الحسين (بن علي بن أبي طالب) وكيف كانت تعشق الغناء والمغنين، وانظر أيضا المجلّد 17 حيث يتحدث عن قصتها مع ابن سريج، وكيف أن عشقها للغناء دفعها لتأمر خادماتها بضرب عبد لها لأنّه حاول أن يقنعها بالاستغناء عن مغنّي بارع، فلم يسترضيها إلا بعدما جاءها بذلك المغني. هذه الأحداث لا يدركها النص التاريخي. وقد تكون مجرد خرافات، لكنها مع ذلك تسمح لنا بجس نبض المجتمع العربي في زمن الأصفهاني على الأقل، ومعرفة حجم الهامش المسموح به من حرية التأليف، وكيف تسمح الدولة العباسية لهذا الأصفهاني بأن يصول ويجول في بغداد وهو من بقايا مروان بن محمد آخر خلفاء الدولة الأموية!. وقد عاش الأصفهاني بين 284 و356 هجرية، أي أنه ينتمي إلى العصر العباسي الثاني والثالث، حيث يبدو أنّه عاصر من خلفاء العصر العباسي الثاني؛ المكتفي، والمقتدر، والمرتضى، والقاهر، والمقتدر (الثاني)، والقاهر (الثاني)، والراضي، والمتقي، والمستكفي. وهنا ينتهي العصر العباسي الثاني بدخول البويهيين (الفرس) وسيطرتهم على الخلافة. ثم عاصر الأصفهاني من خلفاء العصر العباسي الثالث؛ المستكفي (الذي تابع ولايته في هذا العصر تحت سيطرة البويهيين)، ثم المطيع، وإلى هنا تنتهي حياة الأصفهاني، فهل كان في جرأته الأدبية شيء من دعم البويهيين؟. هذا أمر آخر. المهم أنّ هذا الكتاب مهمّ جداً في التراث العربي، ولكنه ليس ذا قيمة كبيرة في الأدب خصوصاً.
سعيد بودبوز
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)